المسرح الصامت:-
غياب اللغة وحضور الفعل
"ارتحالات في ملكوت الصمت"
انموذجاً
اصطلاحاً. ("البانتوميم" مشتق من الكلمة
اليونانية (Pantomimus) تطلق على المواقف الصامتة في المسرحيات الحديثة ويقوم بالتعبير
عنها بحركات الممثلين الجسدية التي لا تصاحبها الكلمات وقد شاع في العصر الحديث (التمثيل
الإيمائي) مرادفاً لمصطلح "البانتوميم" وبنى اكثر المهتمين بهذا الفن تصوراتهم على انه أتترجمه
العربية "اصطلاحاً" للكلمة اليونانية (Pantomimes) وهذا التباس كبير لوجود فروق بين هاذين
المصطلحين."فالتمثيل الإيمائي"هو ليس لغة الحركة فحسب بل هو معرفة لغة الفعل وهو فن
الصمت والحركة وفن العقل والإحساس وقد استخدم عند تقديم مشهد صامت في مسرحية صامته والتي
تعتمد على الإيماءة الحركية المعبرة عن الفعل في الإيماءة الصوتية (الكلمة) الباعثة
للفعل"البانتوميم" وهو فن درامي يترجم الفعل الجسدي الى معنى مرئي في قصة او موقف كوميدي او
هزلي ويقدّم كعمل مستقل مستفيداً من "التمثيل الإيمائي" في تحقيق لغة من الفعل الصامت مستغلاً
أدوات الممثل الجسدية ومكملات العرض الأخرى في التعبير عن حاله مدركة ومعروفة بدلالات الحركة
لدى المشاهد.
تاريخياً:- واذا أردنا ان نؤرخ له نستطيع ان نلم شتاته الموزع على مساحات ضيقة ضمن حقب زمنية
متباعدة فهو بدأ بتعبير الراقص الواحد وبمصاحبة الجماعة المنشدة والآلات الموسيقية عن شتى
المواطن والشخصيات باستخدام الأقنعة التي تطورت فيما بعد الى (مكياج) صارخ "المهرج" لتقديم
الانفعالات والحركات الحسية والشهوات الجسدية. وكما قال الأستاذ الناقد على مزاحم عباس في
كتابه "فن التمثيل الصامت"
"ان حضارات الشرق القديمة في مصر واليابان والصين قد عرفت التمثيل الصامت كما عرفه
اليونانيون والرومان
وقد تطور هذا الفن الذي كان مقتصراً على تقديم الطقوس الدينية الصامتة . مثل الرقصة "الساتريه"
التي أشار لها أرسو في كتابه "فن الشعر" مروراً بالدراما الشعبية التي تمثلت بتقديم
الأشعار "الفيسكينيه" والقصص "الاثلاثيه" وصولاً الى العصور الحديثة التي لم يحتل هذا الفن مكان
الصدارة فيها فبات من العسير مشاهدة مثل هذه العروض والسبب يعود لتبني وازدهار "المسرح
الصائت" واهتمام المشاهد وحرصه على مشاهدة عروضه لحصوله على متعة "الصوت" إضافة
لمتعة "الحركة" واعتبر فن "البانتوميم" فناً ترفياً يستعرض فيه الممثل مهارته الجسدية في تجسيد ا
لمعنى " وللمزيد من التفاصيل التاريخية أدعو القارئ للعودة الى كتاب الأستاذ الناقد علي مزاحم
عباس " فن التمثيل الصامت في العراق دراسة ونصوص"
موجبـــــــــــاته:-
1. استطاع هذا الفن ان يلغي حواجز اللغة كوسيلة للتفاهم بين الأمم والشعوب واستبدالها بلغة إنسانية
مشتركة سهلة ومعبره ومقنعة هي لغة الايماءه، الاشارية للتفاهم / على الممثل الصامت من خلال
أدواته ان يدخل المتفرج بدائرة خيالية مغلقة محولا هذا التخيل الى صورة واقعية في ذهنه معتمداً على
ما تخزنه ذاكرة المشاهد التي التحمت بفعل الممثل المؤدي للفعل والراسم لتلك الدائرة التي أسرت خيال
المتفرج و أقنعته بواقعيتها فالممثل يرتكز على الأفعال المحفزة للجسد المنتج للحركة الصائتة التي
تشكل المعنى
2: لحاجة نص مسرحي او مخرج لتقديم مشهد أو بعض المشاهد الصامتة في مسرحية صائتة
3. حاجة المسرح والمسرحيين للتمثيل الصامت في زمن غياب الحريات الفكرية إذ يستطيع العامل
بهكذا مسرح ان يمرر أفكاره ورموزه الإيحائية من خلال تقديم عروض صامته دون ان يعترض او يعثر
عليها الرقيب. وعلى المستوى العربي فقد مر الفرد بهزات خارجية عنيفة هزت وطالت بنى الحياة
جميعها مما اخضع كل شيء لتحولات كبرى. وكان من الطبيعي ان يكون "المبدع: في طليعة المتأثرين
بهذه التحولات فراح يبحث عن اشكال قادرة على استيعاب تجربة العذاب الكبرى التي يخوضها ضد
اشكالات الحياة اليومية المفروضة على مفردات إبداعه لجعلها مفردة من مفردات اعلامها المروج
لصالح تنفيذ برامجها وايدلوجيتها مما دعا "المبدع" الى ان يختار اشكال جديدة من اجل التعبير عن
الداخل في مواجهة الخارج الضاغط فاستخدم رؤياه الإنسانية التي اعتبرها "كانت" مركزاً للوجود
ومفسراً له ، فانطلق متشبثاً ، ومبدعاً وسط ركام الصواريخ وروائح الدم وصناديق الموت الفارغة
الناتجة عن التناحر الأيدلوجي المتخلف.
منقول