( د . أحمد خالد توفيق )
.. وما زالت تقاليــع الإعــلام تتوالــى ..
.. بقلــم : د. أحمــد خالد توفيــق ..... 11 - تموز - 2011 ..
ما تعلمناه هو أن الإعلام طوفان، الأول ثائر لم تعد السيطرة عليه ممكنة، والآخر هو أن جوا من عدم المسؤولية يسيطر على قنوات إعلامية كثيرة، لا بد من ملء كل الصفحات البيضاء وكل مساحات الإنترنت وكل ساعات الإرسال هذه، لا بد من الإثارة، لا بد من اجتذاب القارئ والمشاهد بأي ثمن، ومهما كانت النتيجة النهائية بعد عام أو عامين، الأمر أقرب إلى عمارة ضخمة يحاول كل ساكن فيها أن يتخلص من قمامته بأي طريقة، وليذهب الباقون للجحيم.
لا شك أن هناك جزءا هائلا من عدم المسؤولية، وجزءا من سوء النية أو الحرب الموجهة.
من ضمن الأخبار التي قلت إنها أخبار صالحة لمرة واحدة، خبر طريف عن د.سامي الشريف، قال: إنه أصدر تعليمات واضحة بحذف القبلات من الأفلام، ثم أكد الشريف في تصريحات خاصة أن كل ما تردد في هذا الشأن عار من الصحة، مشيرا إلى أن الأفلام والمواد السينمائية تراث مصري لا يمكن العبث به بأي شكل، أو تحت أي ظرف. هذه لعبة خبيثة جدا من ملفق الخبر.. سيقال إن الرجل يدعو للإباحية لو نفى الخبر، ولو وافق عليه لاتهمه كثيرون بالانغلاق الفكري، وانتمائه لمحاكم التفتيش!.. هذا مأزق جدير بالروايات.
ظاهرة «القات» هذا النوع من الأخبار مخصص للمضغ والغياب عن الوعي وإرضاء الجماهير، مثل نبات القات بالضبط: أخبار عن بكاء سوزان مبارك في أثناء المحاكمة، وعن صحة مبارك المتدهورة، وما قاله علاء لجمال، وما يواجهه أحمد عز والعادلي من صعوبات في طرة، ومن بكى، ومن لام من.. هذه الأخبار تجعل القارئ ينتشي ويسكر بينما الواقع يقول إن شيئا لا يحدث على الإطلاق، لسبب غامض أو واضح صار هناك نوع مستفز من بطء العدالة، وكما قال تعليق ذكي لأحد القراء: «علاقتنا بالمجلس العسكري حاليا كامرأة تشك في خيانة زوجها، لكنها تفضل الصمت حتى لا تخرب بيتها
ظاهرة (كل شيء عن): وهي ظاهرة محيرة فعلا،
تأمل مثلا هذا المقال عن سجن طرة، والذي أتمنى لو أوردته كاملا: «ويخضع السجن القابع بين أسوار يصل ارتفاعها إلى نحو ٨ أمتار، تعلوها أسلاك شائكة تتخللها أبراج مزدوجة تسمح بوجود شخصين للحراسة، لإجراءات حماية وتأمين من مجموعات من القوات المسلحة، وقوات الأمن، والأمن المركزي، التي يصل قوامها إلى نحو ٣ آلاف ضابط ومجند، بينهم أكثر من ١٥٠ فردا من قوات القناصة، إلى جانب كلاب الحراسة، ويقع الباب الرئيسي للمنطقة على بعد أمتار من تقاطع طريق الأوتوستراد مع شارع معهد أمناء الشرطة، وخلف الباب الضخم توجد ٤ غرف صغيرة، إحداها على الجانب الأيمن مخصصة لأفراد الحراسة الداخلية، والأخرى لتفتيش السيدات في أثناء الزيارات، وفي الجانب الأيسر غرفة لكلاب الحراسة، وأخرى لاحتجاز من يتم ضبطه يحمل ممنوعات في أثناء الزيارة، وعلى بعد أمتار من البوابة توجد غرفة مساحتها ٤ في ٥ أمتار، وبها ٣ بوابات إلكترونية تضم أحدث أجهزة الكشف عن المعادن والمفرقعات، ويتولى إدارتها ٦ ضباط يؤدون مهمتهم دون النظر إلى شخصية الزائر أو وظيفته»، ثم «هذا السجن له باب خشبي قديم من الزان لا تتعدى مساحته ٣ أمتار، وفي دلفته اليمنى يوجد باب خشبي صغير لا يتعدى ارتفاعه ١٦٠ سنتيمترا، وعرضه ٨٠ سنتيمترا، ويقع الباب في منخفض يتم الوصول إليه عبر ٦ درجات سلم».
ماذا يدور هنا؟، هل هذا مقال أم درس تعليمي عن اقتحام السجن؟، رأيت في فيلم قديم حيلة مماثلة، يقوم فيها صحفي مزيف بالتحري عن السجن حتى يهرب السجين أمام عيون الحرس، لا أتهم الصحفي بمحاولة التهريب طبعا لكن أتهمه بعدم المسؤولية، فليس كل ما يعرف يقال.
ظاهرة «الحكمة بأثر رجعي»: لقد حصلت على كل الوثائق وعرفت الخطة التي وضعتها الداخلية، سوف يحدث انقلاب في جريدة الدستور يطيح بإبراهيم عيسى، أو هذا ما سيتصوره السذج، والخطة تقضي بأن يصدر الدستور على شبكة الإنترنت، وبعد عام تقريبا تحدث ثورة تطيح بمبارك، وبعدها بأشهر سوف يصدر إبراهيم عيسى جريدة أخرى اسمها التحرير.. كل هذا مكتوب عندي في الوثائق والخطة تتضح ونحن نتصور ببلاهة أنه حظ حسن! يقرأ القارئ هذه الأخبار فيصيبه الذهول من دقة التخطيط، بينما هذه طريقة قديمة جدا في النصب اسمها (القراءة الباردة). هذه المدرسة تجيد معرفة ما حدث فعلا، بينما تفشل دائما في معرفة ما سيحدث، يقود العقيد عمر عفيفي هذه المدرسة، والرجل على كل حال تنبأ بأشياء كثيرة جدا، منها أن مصر استوردت سلاحا سريا من إسرائيل لقتل المتظاهرين، (وسيرى الجميع تأثير هذا السلاح خلال 48 ساعة).. فعلا تبين أن هذا السلاح هو الجمال التي يركبها البلطجية، وهو مُصر على وجود خطة لاغتيال البرادعي وعلاء الأسواني، ومُصر كذلك على أنه هو من حرك ثورة يناير وقادها باستعمال لاب توب ومودم.
ظاهرة «صراع الديكة»: هنا تترك الردود في مواقع الإنترنت على راحتها بدعوى الديمقراطية، وهكذا تتوالى الشتائم البذيئة من كل الأطراف على كل الأطراف.. الفتنة الطائفية لعبة محببة جدا لدى هذا الإعلام، ينشر خبر عن السلفيين أو البابا شنودة، فيشتم واحد من المعسكر الآخر، من ثم تنهمر الشتائم المتبادلة القذرة جدا، تسلية لا شك فيها، بينما الواجب الحقيقي نحو المجتمع يقتضي ممارسة نوع من الرقابة.. فليس كل ما يقال ينشر..
وللحديث بقية طبعا.
..من مقاله في : جريــدة التحريرر