مؤكد ان دراسة الإعلام ونظرياته وتأثيراته والأبحاث المتعلقة به مسألة شائكة ومتشعبة وغير سهلة على الإطلاق بسبب التغيرات والمستجدات العلمية والتطورات التكنولوجية اللحظوية التي تلعب دورا هاما في صعوبة تحديد تلك النظريات والتأثيرات في ميدان الإعلام والاتصال الجماهيري وبتعبير آخر أصبح الإعلام ممزقا بين تأدية رسالته وبين ضغوط الإعلان وتماديه حائرا بين عدة أمور منها:
1. حائر بين تلبية طلبات السلطة وبين تبني مطالب المتسلط عليهم.
2. حائر بين ضرورة مساهمته في برامج التنمية والتطوير وبين رغبة المهيمن عليه.
هذا ما دفعه نحو الترفيه أكثر دون التوجيه والإرشاد أو تنمية الحوار الوطني فالإعلام لم يعد أداة الوحدة الوطنية والقومية وضمان العلاقات الاجتماعية التضامنية بل أصبح يستخدم للعصبيات القبلية وإذكاء النزاعات المحلية الضيقة, إضافة إلى تغذية الاصطدام العنصري وتنمية اتجاهات الكره لدى الكثير من الفئات المناهضة للأخرى.
وقد أصبحت هذه السمات تتمتع بحضور دائم في منظومة الإعلام ورسائله في نطاق تطور تقنيات المعلومات المعاصرة وقد أشار بعض الباحثين إلى صعوبة دراسة الإعلام ونظرياته وذلك: أنه لا يوجد شخص استطاع ان يعين بدقة لا في الزمان الماضي ولا في الزمان الحاضر حدود ميدان الاتصال الجماهيري ( ) وقال السيد ياسين: لقد سمحت التقنيات والوسائط الاتصالية الحديثة للسياسة ان تتدفق بحرية وتتمدد خارج حدود الدولة وتتجاوز إطارها الجغرافي ونطاقها المحلي حتى أنها خرجت عن سيطرة تلك الحكومات ( ).
وتكمن أهمية دراسة الواقع الإعلامي الجديد الذي فرض نفسه على الساحة بالتفجر المعلوماتي من خلال الشبكة العنكبوتية والتطورات الهائلة في مجالات التكنولوجيا الاتصالية التي غيرت الكثير من المفاهيم الإعلامية التي كانت سائدة لعقود متعددة, لذلك فان بعض الدارسين لنظريات الإعلام يفضلون ان يدرسوا نظريات نموذج الاتصال كلا على حدى وأيا كان الأسلوب الذي يمكن إثباته في دراسة التطور التي مرت به النظريات الإعلامية إلا أن الأهم في نظري والأكثر إثارة: هو التغيير الذي طرأ على النظرة إلى الاتصال الجماهيري نفسه عبر مفهومين:
1. المفهوم القديم للاتصال كونه قوة نافذة ومؤثرة لا يستطيع المتلقي ان يقاومها.
2. المفهوم الحديث للاتصال كونه عاملا بين مجموعة من العوامل المختلفة التي تتفاعل معا من اجل إحداث التأثير المطلوب ( )
3. المفهوم الحديث للتطور الإعلامي الذي يقترن بالتواصل اللحظوي بحيث أصبح السلطة العليا في الدولة.
من هنا علينا ان نعيد النظر في نظرية مونتيسكو الكلاسيكية حول فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بتعديل بسيط وذلك نحو التوجه إلى إقامة التوازن بينها وبين السلطة المتصاعدة تصاعدا صاروخيا وهي: السلطة الإعلامية.( ) وقد شاع بيننا نقلا عن الفرنسيين وصف الإعلام بالسلطة الرابعة في الدولة...ان السلطة بمعنى القدرة إكراهية كانت أم إقناعية فهل تطال أي سلطة بقوتها السلطة الإعلامية الحديثة؟ - أشك في ذلك.
لقد تفتحت أبواب جديدة للبحث في تطور الدراسات الإعلامية حيث صارت البحوث أوثق صلة بالإعلام من حيث أنها ظاهرة اجتماعية بارزة لها نظريات خاصة تتفاعل معها وتؤثر فيها أو تتأثر بها عوامل أخرى وبالرغم مما تحقق حتى الآن في مجال بحوث الإعلام والاتصال مازال البون شاسعا بين كثير من بحوثنا وبحوث من سبقونا في هذا المجال, ولعل أبرز هذه الأسباب تكمن في:
• النقص في الأدوات الأساسية اللازمة لأي بحث إعلامي.
• نقص المصادر وعدم التوصل إلى حصرية المعلومة والاستفادة منها.
• الاعتماد على الفرضيات بدلا من الاستنتاج العلمي والمنطقي.
• إصدار الأحكام الارتجالية إضافة إلى التعميم الذي يعد من أخطاء التفكير العلمي.
• اختيار موضوعات هامشية أو ذات دلالات عامة لمناقشتها أو بحثها.
• عدم وضع البحوث الإعلامية الحديثة في متناول الجميع أو نشرها ليستفاد منها.
لذا فان موضوع الإعلام ودوره في ترسيخ ثقافة المقاومة لم يتعرض له حسب معرفتي أحد بشكل موسع وإن كان هناك بعض الدراسات البسيطة حول ثقافة المقاومة لكنها لم تتناول جوانب عديدة من الإعلام المقاوم ومدى ترسيخه لهذه الثقافة عبر الأجيال كقوة صناعية وهناك انعكاس واضح وتفوق للإعلام الغربي من هذه الناحية حيث تتبين المفارقة الهائلة أو المذهلة من خلال تراكمات الأحداث الإعلامية والسياسية في هذا العالم إضافة إلى المعارف المصطنعة بين الصورة الإعلامية المؤلمة للوطن العربي والناقصة التي نشهدها في فلسطين والعراق وأفغانستان ولبنان والسودان.
ان الساحة العربية مستباحة حاليا بفضل التكنولوجيا والأقمار الصناعية وذكاء المال الغربي الاستعماري ورجال إعلامه وبفضل تخلف غالبية مؤسساتنا الإعلامية المرئية والمكتوبة والمسموعة المشغولة بإرضاء ذوات أهل الحكم وتهميش وجود الناس العاديين والمثقفين والمنفتحين على العالم, من هنا فان المواطن العربي لم يعد يثق في أدوات الخطاب الإعلامي العربي المعلب الذي تقدمه المؤسسات الإعلامية الرسمية فهو ناقص ومشوه وذاتي ومصلحي وموجه ومحشو بالإنشاء والبلادة ولم يعد قانعا بالمعلومات المجتزأة التي يقدمها له, فالمواطن العربي لم يعد مهتما بالأخبار البدائية المحصورة بالاستديو وبعض الزواريب القريبة وبعض الأفلام والريبورتاجات الواصلة عن طريق وكالات الأنباء الأخرى بل أصبح هو صاحب الحق في ملاحقة الحدث أينما وجد.(5)
وإن المتتبع للإعلام العربي اليوم يرى انه يزخر بكثير من الاختلافات وأوجه التفاوت على جميع المستويات القطرية والقومية ليأتي الخطاب السياسي والثقافي والإعلامي وقد ابتعد عن الخصوصية والتفرد وانصب على العموميات والشعارات مما يرسخ إعلام الدولة الذي أثر تأثيرا كبيرا في نوعية المضامين الإعلامية وبدا الإعلام العربي أمام العالم كإعلام مفكك غير قادر على خدمة القضايا العربية, وقد جاء في تقرير التنمية الإنسانية العربية الذي حدد سمات الإعلام العربي الرسمي على الشكل التالي:
أنه سلطوي: حيث تقتحم السلطة الخطاب الإعلامي وتفرض عليه موضوعاته وتوجهاته وقيمه وحتى تفاصيله واختياراته وتوقيته بل إن جل هذا الإعلام مكرس لنشاط المسؤول ولقاءاته وتصريحاته التقليدية الخالية حتى من أي محتوى.
أنه أحادي: إذ يقوم الخطاب الإعلامي العربي الرسمي في الغالب بتغييب الآخر الوطني واستبعاده من المثول في المشهد العام.
أنه رسمي: إذ تقف النسبة الأكبر من المؤسسات الإعلامية العربية في حيرة من أمرها أمام بعض أو معظم الأحداث والمواقف السياسية الطارئة بانتظار التعليمات ويمكن أن يتجاهل أحداثا ذات أهمية مما يؤدي إلى فقدان الثقة واللجوء إلى وسائل الإعلام الأخرى.
ندرك تماما كم نحن لاهثين نتصبب عرقا محاولين اللحاق بركب التقدم المعرفي والعلمي والتكنولوجي لكن طالما أن الفجوة المعلوماتية والإعلامية حاضرة بيننا وكبيرة فنحن مشتتون لا يسمع صوتنا أحد وتلعب البحوث الإعلامية في وقتنا الحاضر دور الأم الحاضنة لأبنائها في توضيح الحقوق والواجبات والالتزامات والمسؤوليات التي يتعين على الأفراد والجماعات أن يعوها ويدركوها جيدا في هذه المرحلة الراهنة, وذلك بتعزيز دور الإعلام العربي وتوسيع دائرته ليشمل التطور التكنولوجي لتحسين الأداء في مختلف فروع الإعلام فإذا عرفنا كيف نرعى إعلامنا أخرجنا أجيالا تنهض بأعباء الأمة نهضة خير وحق فتفرض نفسها احتراما وتقديرا ولن يستطيع الإعلام المتصهين في حينه أن يقف بوجهها أو يشوه صورتنا.
د.مـأمون الجنــان
منقول من منتديات بوابة العرب