هو "الناقد المسرحي" نفسه الذي يكتب مقالات قد لا تعجب المخرج أو الجمهور، وبالتالي خلق اللاثقة بين طرفي الكماشة، فهل يعاني النقد المسرحي من شيء أم أن العلّة في الناقدين أنفسهم؟
وما الاختلاف بين النشر في الصحف اليومية والأكاديمية؟
النقد المسرحي يعاني
"النقد عموماً يعاني" كما يلاحظ الكاتب "وليد إخلاصي" وهي ظاهرة متعلقة بالثقافة والإنسان، وأضعف أنواع النقد هو التطبيقي، ويضيف "إخلاصي": "ليس هناك ثقافة مسرحية على مستوى الشعب والنقد المسرحي نوع من العلاقات الشخصية ومرتبط بإبداء الرأي دون الاستناد إلى قواعد أكاديمية".
بينما يلاحظ الكاتب "جوان جان" تقدماً ملموساً في مستوى النقد المسرحي رغم استثناءات قليلة تسيء لمفهوم النقد، لكنه يؤكّد كون الواقع كفيل بفرز الناقدين الحقيقيين.
في حين يشير الناقد "عبد الناصر حسو" إلى مفهوم النقد بحد ذاته كمصطلح فضفاض، فالأمر تغير منذ عشرين سنة، فقد لحق الغبن بالنقد والنقّاد، أما مسألة النقد الأكاديمي – برأيه – لا أحد يخوض غماره حتى في الدول المتطورة، لذا فالنقد محتكر من قبل العاملين في الصحف اليومية.
أما الصحفي "إدريس مراد" فيُلحق النقد إجمالاً بالعلاقات الشخصية والمحسوبيات، بحيث أن الإطار النقدي ضعيف جداً، وهذا عائد إلى عدة عوامل مرتبطة بحرية الرأي مساحة النشر والأجر المادي وتأخير النشر كما يرى.
هل أنت ناقد مسرحي؟
ليس من ناقد مثالي موجود الآن، والعملية نسبية متعلقة بمدى تطبيق بعض القواعد المسرحية مع قليل من الانطباعات الشخصية التي قد لا تسيء إلى مضمون الدراسة، ولكن يجب البحث عن شروط واقعية من المفترض تحقيقها في شخصية الناقد المسرحي.
فلا يخفي الكاتب "جوان جان" وجود العديد من النقّاد منذ الستينات والسبعينات وإن كانوا في البداية من غير الدارسين، فهم بطبيعة الحال انبثقوا من مختلف أنواع الأدب، ويضع "جوان جان" مجموعة شروط ينبغي تحقيقها في شخصية الناقد المسرحي وهي: "المصداقية المرتبطة بالسوية الفنية وعدم الانجرار نحو العاطفة فضلاً عن المعرفة والدراية بمختلف أنماط المذاهب والعروض المسرحية والابتعاد عن المكاسب الشخصية، أو عن ربط النقد المسرحي بالوظيفة، كأن يتلقى عرض من مديرية المسارح والموسيقى لمقالة نقدية مسيئة من ناقد لا يعمل في المديرية أو المسرح القومي".
لكن الروائي "وليد إخلاصي" يضيف إلى ذلك ميزات أخرى مثل ضرورة امتلاك الناقد للثقافة الناجمة عن قراءات في المسرح العالمي ومشاهدة العروض العالمية للوصول إلى نقد مسرحي سليم.
أما هاجس حب المسرح ومراعاة الجوانب الأكاديمية والتمتع بخلفية ثقافية والاطلاع على الدراسات المسرحية وموهبة الكتابة، فهي شروط يضيفها الصحفي "إدريس مراد" بوصفها تلائم النقد من كافة المستويات، ورغم أن الأكاديمي ليس بالضرورة أن يكون ناقداً، إلا أن المتابعات الصحفية والانطباعات المجرّدة قد لا تفي الغرض كما يؤكّد.
بالإضافة إلى هذه الشروط يجب أن يكون الناقد مطلّعاً على النظريات النقدية وعارفاً لآليات للإخراج، والأهم هو معرفة المجتمع كما يرى الناقد "عبد الناصر حسو"، ويضيف: "الحركة النقدية غير مقبولة وهي مرتبطة بالصحافة وتخضع لأمزجة رئيس التحرير ومسؤول صفحة الثقافة، والفرق كبير بين المقالة الأكاديمية والانطباعية فيما يتعلق بالتلقي والمشاهد".
انطباع أم تنظير؟
ثمة نقاد يكتبون بلغة أكاديمية عصية عـلى الفهم من قبل المختصين، في حين لا يناسب هذا الأسلوب الصحف اليومية، وثمة مجلات أكاديمية مثل (الحياة المسرحية) السّورية الفصلية الصادرة عن "وزارة الثقافة" اجتازت الحد الفاصل بين الأكاديمي والإعلامي، وتم تحديد محاور عديدة تناسب كافة المهتمين في مختلف مستويات التلقي. وتأتي أهمية المقالات النقدية لتواكب العوض المسرحية وتحقق أهدافاً عديدة .
بقول الكاتب "وليد إخلاصي": "التحليل من أهم الأهداف، بالإضافة إلى تنبيه المخرج لأخطائه، وإظهار مواطن القبح والجمال، لأن النقد هو نوع من الرغبة في إعطاء الرأي وثمة أسماء لمعت في هذا المجال مثل فرحان بلبل ورياض عصمت، وهي في كل الأحوال أسماء قليلة".
لكن الناقد "عبد الناصر حسو" يعطي لذلك بعداً آخر، فهو يؤكد بأن الناقد مغرور وهدفه الشهرة في النهاية، ويضيف: "الهدف هو تبيان المعقول وغير المعقول، وربط العمل بالواقع وحركته اليومية ومدى ملائمة العرض للمجتمع وبالتالي هو وثيقة تاريخية لمرحلة زمنية معينة".
صحف ومجلات
بعد أن تأسس قسم الدراسات المسرحية في المهد العالي لفنون المسرحية سنة (1984)م، كان الأمل يرفرف بجناحيه على المتخرّجين، لكن نسبة قليلة جداً منهم عمل في النقد المسرحي، ربما رؤوا في الحركة المسرحية مشروعاً لا يدر المال، فتحولوا إلى الأعمال التجارية، وانتقلت المهمة إلى أناس آخرين أساء معظمهم لفن المسرح والقائمين عليه عبر مقالات انطباعية شخصية لا تستند لقواعد النقد المسرحي، وصار عدد الذين يمارسون القد الحقيقي حالياً لا يتجاوز عدد أصابع اليد حسب تأكيد معظم المختصين.
الناقد "عبد الناصر حسو" هو أحد خريجي المعهد المسرحي يرى بأن النقد المنهجي يستلزم الحيادية، والعاملون في الصحف اليومية لديهم مفاهيم يمتلكونها، لكن هذا لا يعني أنهم يكتبون بشكل جيد، وبالتالي انعدمت العلاقة والثقة بين الناقد والمخرج.
أما الكاتب "جوان جان" رئيس تحرير مجلة "الحياة المسرحية" فيؤكّد على مسألة تفاوت المستويات، ويضيف: "ما يحكم مستوى المواد المنشورة ي المجلة هو المستوى المعرفي والفني واللغة الصحيحة والصياغة المفهومة، وتعتمد المجلة مقالات عديدة لصحفيين وخريجين النقد المسرحي".
والمثير للانتباه هو التحليل العميق لبعض العروض المسرحية من قبل بعض النقّاد الذين يفسّرون بعض مفردات المسرحية وفقاً لفلسفات ومذاهب كونوها لأنفسهم وتوصلوا لتنظيرات تخصهم وحدهم، وحول ذلك يضيف الكاتب "جوان جان": "هناك مقالات تحتمل التنظير، مثل نقد بعض العروض الإغريقية شرط أن يتضمن التنظير معلومات عن طبيعة العمل، أما التحليل فيأتي في مرحلة لاحقة، ورغم ذلك فلا يتجاوز عدد الناقدين المسرحيين الحقيقيين خمسة عشرة".
ثمة تفاؤل
قد تكون الدعوة إلى هيكلية مسرحية متكاملة يشارك المجتمع في بنائها وجعل النقد وظيفة أساسية في الإعلام حلولاً تضع النقاط الحروف، كما يرى الكاتب "وليد إخلاصي" وبالتالي خلق مشروع ثقافي حقيقي وفقاً لخطط استراتيجية.
ومن جهة ثانية، يمكن أن يكون النقد بناء بعيداً عن العلاقات الشخصية، وأن يكون حقيقياً من خلال إعطاء المزيد من الحرّية للكاتب، وهو رأي الصحفي "إدريس مراد".
آلجي حسين
منقول من موقع مسرحيون عن الأستاذ الفاضل / قاسم مطرود