الهجرة الغير شرعية .. جريمة في حق الإنسانية
د. أسماء عايد
"الهجرة" ظاهرة كونية، الطيور تُهاجر بحثًا عن الحب، وأسماك السلمون تُهاجر فى ملحمة رائعة من نهر فرايزر فى كندا، تقطع عشرات الآلاف من الكيلومترات حتى المحيط، وتغادر الفراشات (الملكة) أمريكا الشمالية لتصل إلى أمريكا الجنوبية؛ فتتبدل خلقا بعد خلق.. ويهاجر الرجل والمرأة إلى عش جديد لتوليد عائلة جديدة.. فهذا قانون وجودى.
وحسب فيلسوف التنوير الألمانى "كنت" فالهجرة هى -أيضًا- تأريخ للاضطهاد السياسى من خلال الانشقاق المتتابع فى الجماعات الإنسانية.
وقد هاجر فتية أهل الكهف فرارًا من الاضطهاد ومعهم كلبهم، وهاجر حبيبنا وسيدنا النبى (صلى الله عليه وسلم) من مكة حينما ضيّق الكفار عليه وعلى دعوته ووصل بهم الأمر إلى عقد النية على قتله، وإبراهيم عليه السلام قال: "إنى مهاجر إلى ربى".
وفى عصرنا الحالى أخذت الهجرة أشكالاً مختلفة! كالتنقل بهدف التزود بالعلم وإنعاش الحركة الثقافية، أو إنعاش الحركة الاقتصادية بجلب الأموال، وبعضها يعاقب عليه القانون كالهجرة غير الشرعية.
ولسبر أغوار القضية، دعونا نتأمل السؤال التالي: ما الذى يدفع الإنسان إلى الهجرة؟ فيترك مراتع الطفولة وأحب الأماكن إلى قلبه؟! صحيح أن الحكمة القديمة تقول: من يخسر وطنه يخسر كل شىء، حتى يجد وطنًا جديدًا لن يكون وطنًا.. لكن الحكمة الحديثة تقول: المال فى الغربة وطن، والفقر فى الوطن الغربة .
هذا ويعتبر قرار الهجرة من أصعب وأخطر القرارات فى حياة الإنسان، بالإضافة إلى أن من هاجر ولمس الحضارات الأخرى يصل إلى حالة شديدة من الغرابة.. فلم يعد وطنه يعجبه ولا المهجر تُسعده.. فهو نفسيًا فى الأرض التى لا اسم لها!! ولنتذكر قول الفيلسوف "ديكارت": إن من يُكثر التنقل يصبح غريبًا فى بلده .
ولفهم ظاهرة الهجرة لابد من تقصى أسبابها، والتى يمكننى تلخصيها فى أربع نقاط رئيسية، الأخيرة منها خاصة بالهجرة غير الشرعية وهو محور تحقيقنا اليوم..
1ـ مناخ الحرية: فمع الديكتاتورية لا أمان ولا ضمان ولا أى شىء، وفى جو الاستبداد تقتل الحياة قتلاً، وقد تكون الصحارى مع الحرية أفضل من الاستبداد مع الجنان .
2ـ العوامل الاقتصادية: يتجلى التباين فى المستوى الاقتصادى بصورة واضحة بين الدولة الأصلية ودولة المهجر.. يتبع هذه العوامل اختلال سوق العمل ونسبة البطالة ومستوى الخدمات الصحية والاجتماعية وغيرها.
العالم الديمغرافى "ألفريد صوفي" يلخص إشكالية الهجرة بقوله: "إما أن ترحل الثروات حيث يوجد البشر وإما أن يرحل البشر حيث توجد الثروات".
ولكن إذا كانت الظروف الاقتصادية تشكل السبب الأساسي، فإن ذلك لا يُفسر لنا: كيف أن البعض يمر إلى مرحلة التطبيق -فيهاجر- دون البعض الآخر؟! هذا يعنى أن قرار الهجرة تدفع إليه عوامل أخرى نفسية واجتماعية.. وهذا ينتقل بنا إلى السبب الثالث.
3ـ العوامل المحفزة: وتتجلى فى نقطتين، الأولي: "صورة النجاح الاجتماعي" فغالبًا ما يظهر المهاجر عند عودته إلى بلده لقضاء العطلة فى مظهر فاخر -حتى وإن لم يمكن يمتلك!!- من سيارة وهدايا وملابس.. وكلها مظاهر تغذيها وسائل الإعلام المرئية.. الثانية: "آثار الإعلام المرئي" فالثورة الإعلامية التى يعرفها العالم جعلت السكان -حتى الفقراء جدًا منهم- يستطيعون اقتناء الهوائيات التى تمكنهم من العيش عبر مئات القنوات فى عالم سحرى يزرع فيهم الرغبة فى الهجرة والفرار من سجن الوطن!!
4ـ عوامل النداء: وهى نقطة تتعلق أكثر بالهجرة غير الشرعية والتى هى محور حوارنا فى هذا التحقيق.. حلم الهجرة هو نتاج الممنوع، ورد فعل أمام غلق الأبواب أمام الهجرة الشرعية، بالإضافة إلى السياسة التى تتبناها أوروبا والتى كانت لها آثار عكسية حيث أجَّجت من وتيرة الهجرة السرية وتأجَّجت معها عصابات تجارة الأوهام (غير الشرعية) التى تتكالب على من يفكر بالهجرة فتبث فيه حلم الثراء، ومع أن إلقاء القبض على المهاجرين غير الشرعيين هو النهاية المحتومة لمعظم عمليات تهريب البشر هذه إلا أن بافتراض أنه استطاع الإفلات والدخول إلى أرض الأحلام، فسيجد التكالب عليه أشرس!! حيث يقوم أصحاب العمل باستغلال اليد العاملة غير الشرعية والتى تتميز بكونها طيعة وغير مكلفة، أضف إلى ذلك روح الإذلال والمهانة التى يشعر بها!! فجميع حقوقه مسلوبة، أبسطها لن يتمكن من دخول أى مستشفى للعلاج ولن يتمكن من امتلاك أى شىء باسمه.. يجب دومًا أن يلجأ إلى الآخرين لاستعطافهم قبول تحويل أمواله تحت أسمائهم.. والمهاجر غير الشرعى لا يملك إلا الرضا بما يتكرم به على الآخرين -ومن ضمنهم صاحب العمل- فهو لا يقبل أن يرجع وطنه خالى الوفاض بعد أن تراكمت الديون وباع الأراضى والممتلكات من أجل السفر وتحقيق الأحلام الواهية. والكثير منهم قد يحيى فى المهجر لسنوات وسنوات يرنو فيها لرؤية الأهل، ويتوق لزيارة أماكنه المحببة واستنشاق هواء الوطن- الذى كان يبغضه ويلعن تلوثه فى اليوم ألف مرة- فلا يتمكن.. فقد خسر كل شىء
والبعض منهم يموت ولا يستدل عليه فيكون رحيله عن الحياة مخزيًا! رحل مجهولاً.. وربما ينتظره الأهل طوال العمر على اعتقاد أنه هناك يغرف النعم فى بلاد الغربة.. وقد أصدرت "مؤسسة أولاد الأرض لحقوق الإنسان" أن معظمهم يموتون ما بين الانتحار، التجمد من برودة الجو، القفز من القطار، الموت جوعًا، الموت على يد شرطة الهجرة، الموت فى مراكز الاحتجاز، الغرق، الموت خلال الترحيل.. وغيرها من الطرق المتوقعة.
وفى الشارع المصرى إذا تفوَّهت بمصطلح "الهجرة" فأول ما يقفز إلى أذهاننا هو "إيطاليا"!! حيث إنها أكثر دول الاتحاد الأوروبى استقبالاً للمصريين، وقد كشف تقرير صادر عن وزارة الداخلية الإيطالية أنه خلال عشر سنوات تضاعف عدد دخول الأجانب ليصل إلى أكثر من مليونين و400 ألف مهاجر يحملون إقامة رسمية.. من بينهم أكثر من 300 ألف مهاجر مصرى مسجلين رسميًا، وأكثر من 200 ألف من المهاجرين غير الشرعيين.
تضاعف معها نسبة الإيطاليين الذين ينظرون بمنتهى الريبة إلى المهاجرين،أضف إلى هذه النسبة أن 11٫3% هى نسبة الفقراء الإيطاليين والذين يبحثون عن طعام وملابس فى مخلفات الأسواق وصناديق القمامة.
حول قضية "الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا" التقيت مجموعة من المصريين المقيمين فى مدينة بياتشنسا" الإيطالية ليتحدثون إلىَّ عن مشاكلهم وأوجاعهم من الهجرة وتوابعها.. استقبلنى أصغرهم (عماد أحمد خضر) -طالب بالصف الأول الثانوي- بقصيدة عامية من تأليفه ومما جاء فيها :
اصحى عشان تنام ** وسيبك من الأحلام
ولاّ اصحى وفوق معايا ** واسمع أحلى كلام
حكايتنا من أولها ** حقيقة مش خيال
إيطاليا بلد البقر ** صبحت حلم كل البشر
وبقت كل حياته ** يحلب جاموس ومعيز إيطاليا
الواد شفة وشفتورة ** راحوا هناك حافيين
والكل صاحبه صورة ** وغابوا هناك سنين
رجعوا قيمة وصورة ** وسلام للكالفين
هنا شباب كتير *** ضحوا بعلمهم وحلمهم
جايز يرجع كبير ** ويبقى أصله ماله
سلملى على الكرامة ** دا المعنى فى الإقامة
دكتور مين يا عم ** ولا مهندس إيه
روح إيطاليا تنسى الهم ** وترجع منها بيه
سلملى على الغلابة ** إخوانى المدرسين والمغرمين صبابا
عاشوا الدور زيادة ** أخرتهم هتبقى سودا
شفت إزاى إيطاليا ** اللى فيها راسه عالية
واللى يرجع اسألوه ** أو اسألوا الغرقانين والمجانين
يارب قوينى عشان ** أقدر دايمًا أسافر وأروح إيطاليا
لـ أموت ويقولوا عماد كافر ** أصله مرحش إيطاليا
ثم استطرد قائلاً: أنا مقيم شرعى لكن ما جاء فى الأبيات هو التفكير السائد لكل سكان قريتنا، أما إيطاليا فقد أطلقت عليها بلد البقر لأن مئات من أهل بلدتى يعملون هنا فى تربية المواشى وإدارة الزرائب بجميع أنواعها، وشيوعها، دلالة على أنها من الحرف المربحة فى إيطاليا.. علاوة على أنهم بطبيعتهم على دراية بها نظرًا لنشأتهم الريفية التى فيها نفس نوع العمل تقريبًا.. غير أنها كانت زرائب تحمل الجنسية المصرية.
عندكِ مثلاً: إبراهيم الشهير بـ"فلفل" كان والده متسولاً فى شوارع القرية، ووالدته بائعة جاز.. الآن تزوج بفتاة من فتيات الأسر الراقية، وبنى، واشترى أرض والذى منه.. والسبب؟ إنه هاجر إلى إيطاليا وقبع وسط الزرائب لبضع سنوات إلى أن اغتنى.. حتى أنه سمح لنفسه بأن ينادينى بمنتهى السخرية: "خد هنا يا واد يا عماد".
وجراء ذلك تعاركنا -عشيرته وعشيرتي- بالسيوف! نعم، منذ الأزل والسيوف فى قريتنا تمامًا كالمطاوى فى بعض الأحياء الشعبية بمصر.
ثم تحدَّث إلىَّ (كامل رشوان) 28 عامًا، حاصل على بكالوريوس هندسة ميكانيكا من مدينة الإسكندرية الجميلة، مقيم فى إيطاليا من 3 سنوات، وقبلها عاش لفترة فى ألمانيا بنفس الكيفية غير الشرعية.
"كامل" أعلن حبه لمصر قائلا: "مصر أجمل بكتير بس مفيش شغل خاصة إنى مليش ظهر (واسطة)!! وعشان كدا رمينا نفسنا فى البحر واتبهدلت ودخلت السجن الإيطالى 8 شهور وتعرضت للضرب، وكثيرًا ما قذفنى أحدهم قائلاً -فيما معناه-"ارجع بلدك لو مش عاجبك.. حتى بعد خروجى فأنا فى ملاحقة دائمة منهم.
ويضيف أحمد عاطف -المنصورة- مقيم فى إيطاليا من عامين: "لن أتحدث عن مشكلات الشباب هنا ولكن أوجه كلمتى للشباب فى مصر.. الشباب الذى يفكر بالمجىء بسبل غير قانونية.. فالحياة هنا ستصبح سجنًا له حيث سيكون فى ملاحقة دائمة من الشرطة والجهات الحكومية، بالإضافة لصعوبة حصوله على عمل ومسكن وخلافه".. نقطة أخرى أود التحدث فيها وهى "أشعر بأن حقوق المصرى هنا -حتى المقيم بشكل قانوني- منتهكة مقارنة بجنسيات أخرى مثل أهل المغرب وتونس!! أتمنى أن يتم التنسيق بين البلدين لحفظ حقوق المواطن المصرى فى الخارج".
وبكل صراحة أعلن عمرو أمين -جاء من المنصورة: "والله حرام حد يبيع أرضه وأملاكه عشان ييجى هنا فى إيطاليا". "أنا كان عندى تاكسى فى مصر وبعته بعد إغراءات من أصدقاء لى فى إيطاليا، دفعت 8000 يورو لعمل الأوراق وبعد وصولى للأراضى الإيطالية كانت أول مفاجأة أن أوراق الإقامة غير موثقة بشكل قانوني"!!
بينما محمد محمود عطا الله تقدّم بالنصيحة قائلاً: "نصيحة لأصحابى فى مصر.. محدش ييجى تهريب خالص لأن الوضع سىء وفرص العمل قليلة جدًا".
وفى حزن شديد يتحدث محمد عبادة: "كنت فى السعودية من 5 سنوات، وسعيد بها إلى أن اتصل بى أحد أقاربى من المقيمين فى إيطاليا وأخبرنى أن الحياة رائعة، فانتقلت إلى إيطاليا بعد أن دفعت 75000 جنيه مصري، وتسلّمت الإقامة بعد 8 شهور من دخولى إيطاليا.. 8 شهور تراكمت على الديون نتيجة عدم حصولى على عمل"!!
ويضيف شريف صلاح السيد: "كنت أعيش بشكل طبيعى ولم أفكر بالهجرة من قبل إلى أن سافر ابن عمى فتهافت الجميع على إقناعى بالسفر مثله، وبدأت رحلتى مع مهرِّب من قرية ميت جابر -مركز بلبيس- دفعت له المبلغ المحدد ومضيت وصول أمانة بالمبلغ المتبقي، واتفق معى على عدم الإبلاغ عنه وإلا قدّم وصل الأمانة للشرطة.. سافرت ليبيا (المرحلة الوسطى) وهناك تم تخزينى فى غرفة صغيرة مع 200 شخص من جنسيات عربية مختلفة.. بلا مأكل لأيام طويلة.. ومن اعترض فقد نال نصيبه من التعذيب بالكرباج.. إضافة إلى سرقتهم لكل ما فى جيوبنا.. أما من فكر بالهرب فقد تم قتله! أما عنى فقد وصلت لإيطاليا من 4 سنوات وتزوجت من امرأة إيطالية بنية الحصول على الأرواق وتنظيم حياتى ورغم ذلك لم أعمل سوى سنتين فقط من هذه الأربع".
ثم التقيت الأستاذة وفاء الدسوقى (إخصائية اجتماعية وتعمل مترجمة ثقافية فى العديد من الهيئات الحكومية بإيطاليا) والتى كشفت لنا عن عشرات وعشرات من الطرق الملتوية التى يستخدمها بعض المصريين لاسيما هؤلاء المتحايلين على القانون.. ومن بينها "رغيف السفر"! تقول: دعتنى الإصلاحية للمجىء حيث تم القبض على مصريين من صغار السن -تحت 18 سنة- وفى حاجة إلى "وسيط لُغوي" كى نتمكن من التواصل معهم.
وتضيف: طبقًا للقانون الإيطالى لا يحق لأى جهة طرد المهاجرين -وإن لم تكن معهم أوراق إقامة رسمية- من فئات معينة كالمرأة الحامل أو صغار السن.. لكن عليهم تقديم أوراق إثبات الشخصية مثل جواز السفر كى يتم استخراج أوراق إقامة مؤقتة لإبقائهم بشكل قانوني.
أما من تم القبض عليهم هذه المرة لم يكن بحوزتهم الجواز مخافة أن تتم مصادرته أثناء رحلة الهجرة غير الشرعية أو بعد القبض عليهم.
وتستطرد قائلة: إدارة الإصلاحية طلبت منى إقناعهم بتسليم أوراقهم دون خوف فلن يتم ترحيلهم.. فطلب منى أحد الأولاد أن يتصل بأسرته فى مصر كى يرسلوا له جواز سفره.
محمد 15 سنة من إحدى قرى المنصورة يتصل بوالدته قائلاً لها: "اخبزى الجواز فى رغيف عيش وابعتيه مع أى حد مسافر إيطاليا اليومين دول".. وأحمد 16 سنة: طلب إرساله داخل "بطة محمرة"!!
وفى حوارى مع شيرين ماهر، السفيرة المصرية فى إيطاليا، قالت: "بعد أن رأيت بعينى -من خلال عملي- المعاناة التى يحياها الشباب المصرى المقيم بشكل غير شرعي، فأدعوا الجميع للتروي والتفكير مليون مرة قبل الإقدام على خطوة مؤسفة مثل هذه!".
وأشارت: "مؤخرًا تزايدت أيضًا هجرة القصّر ونحن بصدد الحد منها ومحاولة إيجاد حلول للحالات التى تم اكتشافها بالفعل".
وشددت على أن: "حتى فيما يتعلق بالهجرة الشرعية على كل مهاجر أن يتأكد قبل سفره من صحة عقد العمل الذى حصل عليه من قبل سماسرة التسفير حيث تقدم إلينا يوميًا العديد من الشكاوى بخصوص عقود العمل المزوّرة، وللتأكد من صحة العقد؛ يكفي التوجه لوزارةالهحرة والقوى العاملة بالقاهرة فهناك إدارات متخصصة للتأكد من صحة عقود العمل بالكشف عن اسم صاحب العمل والتأكد من ان هناك بالفعل عمل ينتظر المهاجر المصري الحاصل على عقد".
وفي حواري مع المستشار الإعلامي ابراهيم علي(مساعد الوزيرة عائشة عبد الهادي والمتحدث الرسمي باسم وزارة القوى العاملة والهجرة)، تحدث عن الدور الذي تقوم به في الوزارة في مكافحة هذه الظاهرة والذي يعتمد على محورين:
الأول: توعية الشباب بمخاطر الهجرة غير الشرعية، والمشاكل التي ستواجهم قبل وأثناء وبعد السفر؛ أي احتمالية أن يقعوا فريسة لتجارة وسماسرة السفر، ثم صعوبة الرحلة وما يليها ـ إن وصل ـ من صعوبة الحصول على عمل نظرًا لعدم امتلاكه أوراق رسمية. وهذه الحملات التوعوية تتم من خلال محطات الإذاعة ذلك أنها أكثر وصولا وانتشارا في المناطق المستهدفة بالخطاب وهي المناطق الريفية بالقرى المصرية.
الثاني: توفير البديل الشرعي وهذا من خلال ثلاثة اتجاهات
(1) التنسيق والتعاون مع إيطاليا وغيرها من الدول الأوروبية من خلال توقيع اتفاقيات في مجال العمالة المصرية .
(2) عقد اتفاقيات مع دول عربية وبالفعل عقدت مؤخرا اتفاقيات مع الأردن وليبيا وقطر وتترواح فرص العمل الجديدة في السوق العربية ما بين 350 إلى 400 في العام.
(3) محاولة توفير فرص عمل داخل مصر ولدينا 300 مكتب تشغيل موزعة في مختلف أنحاء الجمهورية.
وأوضح: مع إيطاليا تم توقيع اتفاقية " تدفق العمالة المصرية " في نهاية 2005 ودخلت التنفيد في 2008 وبموجب الاتفاقية خصصت حصة سنوية تقدر بـ 7000 تأشيرة عمل مصرية في السنة الواحدة وفي مجالات مختلفة كالبناء وقطاع التشييد وقطاع الخدمات وغيرها، لكن هناك صعوبات حالت دون الوصول إلى النسبة المتفق عليها ويرجع ذلك إلى الجانب الإيطالي نظرًا للمدة الطويلة التي تقتضيها إنهاء الأوراق لديهم.
وحفاظًا على حصتنا المتفق عليها في الاتفاقية فقد طالبنا وزارة العمل الإيطالية بفتح قانون يسمح بتصحيح أوضاع المصريين المقيمين بالفعل داخل الأراضي الإيطالية ولكن بدون أوراق رسمية وذلك لاستكمال حصتنا. كان ذلك بعد عقد لجنة مصرية إيطالية عليا في مايو 2009 بشرم الشيخ وبحضور وزير العمل الإيطالي بعد أن سبقه لقاء مع نائب الوزير ومع السفير الإيطالي بالقاهرة.
وأضاف: نحن حاليا بصدد عقد اتفاقية مع فرنسا، وكذلك مع اليونان. خاصة وأن هناك تعاون بيننا وبين وزارة العمل اليونانية بعد أن وافقت على دعم مشروع استعلامات الهجرة وبموجه تم إنشاء 6 مكاتب ـ في القاهرة والجيزة والدقهلية والإسكندرية والفيوم والقليوبية ـ في هذه المكاتب نقوم بتلقي استفسارات كل من يرغب في الهجرة، ونقوم بتسجيل بياناته كي يتم الاتصال به في حال توفر العمل المناسب له، بالإضافة إلى أننا نقوم بإعطاء نبذة عن قوانين العمل في الدولة التي يود الهجرة إليها والحرف أو المهن المطلوبة هناك كي يؤهل نفسه .
وبالإضافة إلى هذه المكاتب فهناك تعاون بيننا وبين مؤسسة التدريب الأوروبية ولها فرع في القاهرة. ويبنى التعاون على " مشروع نظام معلومات الهجرة المتكامل " وذلك في نقطتين
(1) الدعم الفني للبنية الأساسية للوزارة وقاعدة البيانات والمعلومات بالموقع.
2)) ترجمة قوانين العمل وحتى الآن تم ترجمة قوانين 16 دولة ."
وعن كيفية الهجرة تحت إشراف الوزارة، وتأهيل المهاجر لُغويًا وحِرَفِيًّا ومِهَنِيًّا بحيث يكون هؤلاء واجهة مشرفة لبلد عظيم مثل مصر، أجاب:" نحن نستقبل طلبات كل من يرغب في الهجرة، ومن بعد تكون هناك مقابلة يقوم فيها الجانب الإيطالي باختيار الأفضل، يلي ذلك تأهيله على كافة المستويات، وفي هذا الصدد فقد قمنا بعمل ما يسمى بـ "مطابقة الأكواد" فهناك ما يسمى ببطاقة الوصف الوظيفي وبطاقة الوصف الحرفي ومن أجل تناغم أفضل فكان لابد من تطابق الوصف بين أساسيات الحرف والوظائف بين البلدين وحتى الآن فقد تم تطابق 43 مهنة وحرفة بيننا وبين إيطاليا، و21 بيننا وبين فرنسا ."
أما فيما يخص الجانب الإيطالى فالتقيت "مايا جروبيسك" و"أليسّندرو بونتيشيلّي"، (مديرة مكتب الهجرة بمدينة بياتشنسا الإيطالية، والنائب الخاص بها).
تقول مايا: "إن كانت إيطاليا يوجد على أراضيها 6 ملايين مواطن أجنبى ما بين شرعى وغير شرعي، إضافة إلى الأزمة العالمية -التى أثّرت سلبًا على الإيطاليين أنفسهم- فمن المنطقى أن تُولى الدولة اهتمامها بالإيطاليين وبالأجانب الشرعيين.."
أما عن الجديد في إجراءات ترحيل وطرد المهاجرين السريين فقالت:"أكد قانون حزمة الاجراءات الأمنية (قانون 94 لعام 2009) أن له تأثيرا كبيرا في اجراءات احتجاز وطرد المهاجر السري من البلاد، علاوة على استحداثه الجريمة المعروفة بالهجرة السرية(أي الغير شرعية). وينص القانون على تنفيذ الطرد خارج البلاد بمجرد إبلاغ القاضي عن طريق إدارة المباحث العامة، يليله حكما ينفذ آليا ولا يعطي المهاجر فرصة للجوء إلى للقضاء! حيث يتم إرسال الأجنبي واحتجازه في مراكز تحديد الهوية والترحيل، وعند هذه المرحلة يواجه الأجنبي قضيتين:الأولى هي تأكيد وقوع جريمة الهجرة غير الشرعية، والقضية الثانية تأكيد وجوبية الاحتجاز في مراكز الاستقبال والترحيل للتحقيق من الهوية الحقيقية وإعداد وثائق الترحيل وقد يستلزم عدة أشهر في كثير من الأحايين، الأمر الذي جعل البعض يعترض على هذا التشريع الجديد قائلا بأنه لا يتماشى مع القانون الدولي علاوة على انها لا تحترم الكرامة الإنسانية وروح القانون التي يجب أن تعمل على الإندماج بين الشعوب وليس تهميشها".
ثم أنهت كلامها بإسداء نصيحة لكل من يُفكر بالسفر من موطنه الأصلي: "إن أردت أن تُحترم فعليك احترام قانون الدولة التى تود الدخول إليها".
أما أليسّندرو فقد وضع أمامي عشرات الصحف التي تؤكد صعوبة الحصول حاليا على عمل في ايطاليا خاصة للمهاجر غير الشرعي بوجه خاص والمهاجر بوجه عام"
ثم أضاف: "إيطاليا كغيرها من الدول المستضيفة تعطى للمهاجر Il permesso di soggiorno أى السماح بالإقامة.. والسماح ليس ضمانًا لبقاء هذه الإقامة، وبالتالى أى ظروف يمر بها المهاجر من الممكن أن يسحب منه هذا السماح! كأن يتم الاستغناء عنه فى العمل -خاصة أن معظم المهاجرين يعملون بالمصانع وبالحرف البسيطة ربما لإتقانهم لها وربما لأن شهادتهم العلمية غير معترف بها هنا فى إيطاليا.. وهؤلاء -غالبًا- هم أول من يستغنى عنهم أو يحاول تقليص عددهم فى ظل أزمات اقتصادية كتلك التى نمر بها".
وأوضح:"في تقيمي الشخصي قانون تجريم الهجرة غير الشرعية عرقل الترحيل الطوعي للمهاجرين السريين من ايطاليا وهي نتيجة غريبةويدركها جيدا وزير الداخلية روبرتو ماروني لأن وزارته هي نفسها التي كانت تقوم بتمويل مشروعات من المفترض أنها تعمل على ترحيل المهاجرين ممن لا يحملون وثائق قانوينة للاقامة ولكن مع قانون وجود القانون الأمني الجديد توقفت تلك المشروعات عن تنفيذ أهدافها".
أما عن رأي الشعب الايطالي فقد أخذت جولة في العاصمة روما لمعرفة الرأي العام حول نظرة الايطالي للمواطن الأجنبي الغير شرعي؟
يقول دافيدي أموروسو (صيدلاني): "المهاجر الغير شرعي تكمن مشكلته في أنه متواجد وغير متواجد في ان واحد! بمعني هو مواطن بيننا يتحرك ولكن لا يملك اثبات شخصية أو اي ورقة تعلن انه مقيم في ايطاليا؛ وبالتالي هي مشكلة خطيرة جدا تؤدي إلى تهديد الأمن اضافة إلى الظروف البائسة التي يعيشها والتي غالبا ما تدفعه إلى ارتكاب الجرائم والسرقات وتجارة المخدرات وغيرها من الأفعال الغير قانونية التي يمكن أن يقوم بها هذا المواطن الأجنبي دون أن يستدل عليه".
وتقول ماريا جراتسيا (ربة منزل): "في نهاية شهر يناير 2010 وصل عدد العاطلين عن العمل من الإيطاليين إلى مليونين ومئة وثمانية وثلاثين، لذلك أظن أنه من الأولى أن يعمل أبناء وطني بدلا من دخول المزيد من المهاجرين سواء كان دخولهم شرعياً أم لا" ثم أضافت "ولا أخفيكِ سرا، أنني من بين المؤيدين والمشاركين في اضرابات شهر مارس القادم التي تنظمها رابطة الشمال وتهدف إلى عدم بقاء المهاجرين المقيمن بالفعل، علاوة على عدم الترحيب بدخول اخرين، لكن في حال دخل إلى أراضينا فعليه أن يخضع للمراقبة على الأقل ستة أشهر كما عليه أن يحترم جميع القوانين و إلا سنجبره نحن على احترامها ".
بينما يرى فيدريكو مالافازي (طالب بكلية الفلسفة): " أشعر بأن الهجرة هي مسألة عدالة اجتماعية في المقام الأول، سواء في البلد الأصلي للانسان أو في بلد المهجر، ولا أتصور انه يمكن حل مشكلة تدفق الهجرة غير الشرعية إلا بكسر معظم العلاقات الدولية بين ايطاليا وبعض الدول الاخرى، لكن حتى وان حدث هذا فمن الصعب التحكم في المسألة خاصة وان وضعنا في الاعتبار موقع ايطاليا الجغرافي، أما عن المهاجر الشرعي فلا أعتقد ان الاقتصاد الايطالي يمكن ان يخطو خطوة بدونه فبلادي بحاجة اليهم ونحن نعتمد عليهم في مجالات شتى، وانا شخصيا أؤيد الاندماج والحوار مع كل الثقافات"
أما عن رأي الشعب المصري خاصة فئة الشباب فقد كانت الآراء كالتالي:
يرى إسلام خليفه (طالب بكلية الاداب قسم الحضارة الأوربية): "مازلت في المرحلة الجامعية لكن لست واثقا من على الصحول على العمل بعد التخرج؛ فالواسطة في مصر هي المفتاح وليس المؤهل العلمي ولا الاجتهاد والعبقرية حتى!واذا أفترضنا أن الشاب حصل على عمل فلا أتصور ان المرتبات في مصر كافية لتوفير حياة ادمية كريمة ولتوفير متطلبات الزواج، أما في الدول المتقدمة مثل ايطاليا فأتصور أن هناك احتمالات أكثر لتأمين مستقبلنا كشباب بدلا من أن ينتهي بنا الأمر الى الجلوس على القهاوي أو القيام بأعمال مازال ينظر لها المجتمع على أنها أعمال تحقر وتحط من قيمة من يعمل بها كعامل نظافة".
بينما يرى شاب اخر: "الوطنية كلام فارغ، ومصر لم تعد امي ولا ام الدنيا، ربما هي أم وأب لبعض الفئات كالأثرياء وأصحاب السلطة أما الشعب البسيط فلا قيمة له، لذا اذا جاءت لي فرصة الهجرة سواء أكانت شرعية أم غيرها فلن أتردد برهة في الموافقة والسفر فورا، بدلا من أموت دهسا بأقدام الجوع والغطرسة السياسية"!
وتعقيبا على فتوى الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية التي أصدرها بعد وفاة ما يقرب من ثلاثين شاباً مصرياً غرقاً أمام السواحل الإيطالية: إنّ هؤلاء الشباب «ذهبوا من أجل أطماع مادية فألقوا بأنفسهم إلى التهلكة» وإنّهم ليسوا شهداء فقال ثالث: "ان الفتوى لم تراعي ملايين الشباب العاطل الذي ضاقت به الدنيا فهرع لفرصة سفر حتي لو دفع فيها حياته، لم تراعي الأفواه الجائعة التي تنتظر لقمة العيش فقط ناهيك عن الأمراض والأوبئة المتفشية، ثم ما معنى التفكير في اصدار فتوى أصلا مع انه ثبت في الأحاديث أن الغريق يعد شهيدًا في الإسلام، وهذا ما لم يكن في حال معصية لله، فمن سافر لطلب رزق، أو طلب أمن، أو زيارة مشروعة، أو فسحة مباحة، فغرق فهو شهيد، وقد جاء عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغريق شهيد".
وفى النهاية، دعونى أداعبكم بالأغنية الشهيرة: "لو بطلنا نحلم نموت.." وهذا صحيح ولكن لو بطلنا نفكر بواقعية سنموت أيضًا.. والموت أنواع!!
ولأننى أعشق تراب مصر وأريد لها ولأبنائها الحياة، فقد رأيت أنه من واجبى كمصرية بالمقام الأول وكصحفية بالمقام الثانى أن أنقل لكم لمحات من حياة المهاجر هنا "فى إيطاليا".. راجية المولى -عز وجل- أن تسرى فى ردهات عقولكم فتفكرون جيدًا قبل الشروع فى سكة السلامة. أدرك جيدا حجم المعاناة في مصر ولكن الأمل في التغيير في الوطن الأم هو بلا شك أمل قابل للتحقيق على أرض الواقع، واصلاح مصر يبدأ من الأرض، أما ان قررت الهجرة فلتكن هجرة شرعية؛ ألتزاما بقوانين الدول والأهم انه-في نظري-يعد ألتزاما بقانون الحياة الذي أراده لنا الله في قوله تعالى: { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة }.
وفى الختام أهدى إليكم صور التقطها بنفسى لأماكن يختبئ وينام فيها بعض المصريين المقيمين بشكل غير شرعى، يتسللون اليها بعد منتصف الليل بعد ان تهدأ الدوريات الأمنية وتقل حركة المارة في الطريق-لذلك كان من الصعب تصويرهم وهم نائمون بها لخطورة الأمر بالنسبة لي كفتاة .
منقول من موقع دار الكتب ، وكل الشكر والتقدير للدكتوره الفاضله / أسماء عايد التي قامت بإجراء هذا التحقيق الرائع