عند الفراعنة : تمثل الفاعل الحضارى فيما يمليه الكاهن الاكبر أو الفرعون نيابة عن الالهة (عبر التلقين)
عند اليونان : تمثل الفاعل الحضارى فيما ينتهى إليه الحوار مع الآخر لصالح النفع العام (عبر التفاعل الجدلى)
عند الرومان: تمثل الفاعل الحضارى فيما يمليه قانون النخبة حول حقوق المواطنة (عبر الإلزام)
عند العصور الوسطى : تمثل فيما يمليه فهم الكهنة وتفسيراتهم للخطاب الدينى وفرضه بالتلقين الجبرى .
عند عصر النهضة : تمثل فيما يمليه الاستدلال الاستنباطى او الاستدلال التجريبى وهو كشفى عقلى .
فى العصر الحديث : تمثل فيما تمليه الأيديولوجيا والإله . وهو طوعى - التزامى-الزامى- (يبدأ التزامياً وينتهى إلزامياً )
فى عصر العولمة: تمثل فيما تمليه الميديا واحتكار إنتاج المعرفة والمعلومات .. وهو (حتمى قهرى)
خامساً : المسرح العربى والاستصبار عند بعد
أولا : المسرح العربى والمصير الانسانى .
من الحق أن تقول إن مصير الانسان العربى كان ولا يزال فى قبضة أكثر من فاعل حضاري، كل فاعل منها يمسك بطرف من اطراف مصيره وكلها فواعل ماضوية تمحورت حول نظرية ( الكل فى واحد ) ومن ثم اسلمته الى ( نظرية الكون فى واحد ) حيث تسيطر أمريكا على المصير الإنساني .
ثانيا : المسرح العربى والفاعل الحضارى .
مازالت مجتمعاتنا تعيش فى كنف الفعل الإثنولوجي ، ومازالت الرسوبيات الثقافية راكدة فى ضمير الوجدان الجمعى . ودلائل ذلك : تلك الصيحات المدوية لأفراد مؤثرين فى بادية المدينة العربية تنكر ما أثبته العلم منذ مئات السنين :
(الأرض كروية تدور حول نفسه) فتقرر فى أوائل الألفية الثالثة بأن ( من ينكر أن الأرض ثابتة فقد كفر )
هذا الى جانب استشراء طنين الماضوية المتقنع خلف شواهد نصية يراد لها تسيير حياة الناس بظهورهم ، فى نهاراليقظة العولمية والذى يصيب عين الماضوية بعمى البصيرة. وأدهش كيف يمكن أن يواكب المسرح فى بلادنا - بوصفه إنتاجاً إبداعياً ثقافياً - إيقاع الثقافة الكونية المتسارعة فى ظل هيمنة تيار الماضوية الكاسح الذي يحض المجتمع ويدفعه دفعاً جبرياً نحو الاكتفاء بخطاب ماضوى أوحد بدعوى أنه حوى كل شىء فى الأكوان ماعرف فيها وما لا يعرف أو ما وجد وجوداً مادياً وما لم يوجد بعد ، والاستغناء به عن أى خطاب آخر بحجة أن العلم وقف عليه ؟!
كيف يسهم المسرح فى بلادنا فى إعادة صياغة الـ(نحن) الجمعية ؛ فى ظل حالة الثبات الفكرى تحزباً حول خطاب ماضوى يراد إقناع الـ(نحن) بأنه السبيل الوحيد إلى صياغة مستقبلنا ، وهو ينكر ما أثبته العلم ، ويكفّر من لم يتبعه دون قيد أو شرط ، ضارباً عرض الحائط باثنتين وخمسين قرنا (3200ق.م - 2007) هى عمر ثقافتنا المصرية ممتدة إلى أربعة عصور أولها هو عصر التأسيس الذى غطى تسعة وعشرين قرناً الأولى من تاريخ الأمة المصرية (3200ق.م- 332ق.م) أى ما يعادل ستاً وخمسين 56% من تاريخها حيث تشكلت فى ذلك العصر النواة الصلبة للثقافة المصرية نتيجة لتفاعل الانسان المصرى مع بيئة الطبيعية التى يصفها د: جمال حمدان (بالبيئة النهرية) بقوله: "مصر هى النيل "_ فى معارضته للمؤرخ اليونانى (هيرودوت) الذى قال )مصر هبة النيل) فالنيل في نظر جمال حمدان "هو ضابط إيقاع الحياة فى مصر"
فكيف تغلبت أربعة عشر قرنا عاشتها مصر فى ظل الغزو العربى لمصر سنة (640م) على 29 قرنا عاشتها مصر فى تفاعل ثقافى مصرى ؟! كيف سيطرت ثقافة البيداء ؛ عبر ستة قرون من الخلطة الثقافية المصرية حتى وقتنا هذا على ثقافة الماء التى ما زالت تشكل 56% من الخلطة الثقافية المصرية ، بينما لم تشكل ثقافة البيداء تلك على مدار ثلاثة قرون (332ق.م -38 م) سوى 5% من خلطة الثقافة المصرية. فإذا قال أحد : ما هو الدين. قلنا إن فترة المسيحية فى مصر استمرت نحو ستة قرون (38-640م)انتشرت فيها الديانة المسحية وشكلت 27%من الخلطة الثقافية المصرية ، ومع ذلك لا تهيمن ثقافته على مجمل الثقافة المصرية.
كيف تغلبت 12% فقط من المكون الثقافى المصرى على مدى 52 قرناً اثنين وخمسون قرنا (3200 ق.م _2007م)على 88% على ذلك المكون الثقافى ؟!
هل السبب فى ذلك هو الدين ام هى اللغة التى فرضت على المصريين فى العصر الأموى كما فرض الاحتلال الفرنسى على الجزائر؛ فضاعت عندهم اللغة العربية ؟! التى ضاعت منهم قبل ذلك – عند الغزو العربى لبلاد المغرب – لغتهم الوطنية أو القومية !! لا شك أن سياسة الأمويين فى مصر هى التى فرضت اللغة العربية على المصريين ؛ بوصفها اللغة الرسمية التى لا يتم التعامل بين المصرين والدواوين الحكومية إلا بوساطتها ؛ ولا توظيف للمصرى بدون اللغة العربية ؛ وقد أورثهم ذلك ازدواجية لغوية ؛ ومن ثم ازدوجية ثقافية كما يقول مهدى بندق ولاشك أيضا أن الأحوال التى عاشتها المجتمعات التى غزتها الجيوش العربية باسم الاسلام من اضطهاد الرومان أو الفرس لتلك الشعوب فى مقابل ما دعا إليه الإسلام من تسامح ومساواة بين المسلمين دون تفرقة بين عربى وعجمى ؛ إضافة إلى الحض على الأخذ بمكارم الأخلاق فى الحروب (فلا يقتل شيخ أو طفل وامراة ولا يقلع زرع أو نخل ؛ ولا يعذب أسير تعذيباً بدنياً) وهذا كله قد ساعد على نشر العقيده الاسلاميه فى البلاد التى غزاها العرب تحت راية الإله الواحد الذى ليس لمثله شىء وبذلك تعامل الناس فى ظل الاسلام مع الواحد الأحد المجرد (المنزه عن الصفات الماديه) ثم مع النص الدينى من زاوية واحدة هى زاوية (السمع والطاعة) :" إذا كنتم ثلاث أمّرو أحدكم عليكم " بنص الحديث ومن هنا أصبح أمير المؤمنين هو خليفة الله على الأرض يأمر فيطاع بما لا يخرج عن القرآن والحديث أو الفتوى الشرعية – إذا لم يجد نصاً في القرآن والسنة – وشيئا فشيئا أصبحت التفسيرات الفقهية هي الفاعل الحقيقي المسير لمصائر تلك الشعوب. وبذلك لم يكن امام الادب والفن سوي الدوران حول الفعل مقدما علي الفاعل ، علي العكس من البناء النحوي لتركيب اللغة الذي عرفته اللغة المصرية القديمة قبل ان تسود اللغة العربية فيها فاصبحت الجملة تبدأ بالفعل فالفاعل فالمفعول به ، ذلك لان الفعل مقدر في الغيب والانسان ( فاعل) منفذ لمشيئة الغيب. وهذا ليس بعيدا عن اولوية ( الفعل) في نظرية أرسطو على الشخصية فالفعل هو الشرط الأول من شروط أرسطو في التراجيديا. وذلك أمر منطقي متسق مع فلسفة ارسطو المثالية وهو أمر تعارض معه المفكرين المسرحيون المعاصرون ( آرتشر) ، ( لاجوس اجري) (40) إذ قدموا الشخصية بوصفها الفاعل الذي يتصور الفعل قبل الاتيان به متصلا بالدافع الي فعله مقرونا برد الفعل المضاد ، انطلاقا من الفلسفة أو الفكر المادي وليس المثالي.
ولأن مجتمعاتنا قد اكتفت بالأبنية الثقافية الإسلامية (الماضوية) بوصفها استراتيجيةالتفاعل النمطى الفكرى المدفوع بالفاعل الغيبى ؛ بالإضافة إلى تكتيكات ثقافية حاضرة فى الظاهر غائبة فى الواقع الفعلى المعيش ، سرعان ما تتوارى أو تتلاشى مع كل انتكاسة لمظهر حضارى أو مدنى وفى ظل تلك المعطيات التى يسود فيها القول بأن (كل بدعة ضلالة) يتوقف الفكر ويتوقف الخيال ومن ثم يتوقف الإحساس بالزمن . يقول ديورانت :
" المثالى: يحتقر صدق الإحساس وينكره ويتساءل عن صلاحية والعقل مكتشفها - بتعبير ديورانت - " للأن الإنسان مقياس الأشياء جميعاً وهو يخلق معظم العالم الذى يدركه "
كما يقول الفليسوف اليونانى بروتاجوراس - وللأن المجتمع العربى يتارحج فى قبول هذه الآراء لذلك ظل الفاعل (الديني ) العقيدي الغيبي الجبري يقوده من عنقه . وبذلك ظل التعبير الأدبى والفنى مقيد المصير بإرادة تتشابك فيها الفواعل الماضوية غالبية الوقت وتظل الـ(نحن)الجمعية رهن إرادة (نظرية الكل فى واحد) وسواء خاض المسرح عندنا فى قضايا العلم أوالفلسفة أو السياسة فإن الفاعل الماضوى هو الذى يقود مسيرة طرحه أو مدلول خطابه ولا مخرج لنا من ذلك الأسر سوى بتكثيف العروض الحديثة ذات الدلالات المتعددة ومابعد الحداثية التى تفكك مركزية الخطاب وتنقض أنساقه المعرفية والبنائية في سبيل تأسيس منهجي لتربية العقل النقدى الذى لم يوجد بعد بفعالية فى ثقافتنا وحتى لا تختلط المفاهيم والأدوار عند المسرحى العربى وهو يخوض فى أحداث ويرسم شخصيات ومواقف فكرية وقيم منها ما يدخل فى نطاق الفكر الاجتماعى والاقتصادى والعلوم الإنسانية ومنها ما يدخل فى نطاق التاريخ (أعلامه ووقائعه ) فيجسد شخصيات العلماء وطرائقهم وتضالهم لتمهيد تضاريس الحياة الإنسانية ومناخها حتى تمكن البشرية من حياة أفضل وأكثر أمنا وعدلاً وإحاطة بما يحيط بها وبما ينتظرها ؛ وبما يجدد أساليبها الحياتية ومنها مايشكل ثقافات مركزية :عالمية ومحلية ؛ تراثية تشع فى الحاضر – ومعاصرة وذلك بما لا يخرج عن شروط مرتبطة بالشكل الذى ينسج فيه مضمونه الفكرى سواء كانت سابقة على إبداع أم وليدة الإبداع نفسه – من خلقه – عندئذ يصبح تحصيله لمضامين هذه الحقول الإنسانية والعلمية شيئا ضروريا ، لينصهر ذلك عنده ويصبح إدراكه وفهمه لمهام كل حقل من تلك الحقول هو الضمانة لعمق إبداعه المسرحى ولتأثيره فى حركة التنوير أو الإنارة التى بدونها لا وجود لرؤية مستقبلية .
وليس هناك شك فى أن إدراك الفنان كاتباً مسرحياً أو مخرجاً للفروق الجوهرية بين مهمة كل فرع من فروع العلم والمعرفة المتصلة بالحياه هو امر من الاهمية بمكان ، حتى لا تختلط فى رحلة ابداعه لعمل مسرحى الفواعل الماضوية بالفواعل الحديثة ، على ما بينهما من تناقض جوهرى . وهنا يكون على رجل المسرح المؤلف – المخرج أن يفرق بين مهمة المعرفة التى تقف عند توطيد الخبرات المكتسبة وفصلها عن الخبرات الظنية وأن يدرك أن مهمة العلم : هي تصحيح المعرفة وتصحيح نظرياته دون توقف والبحث عما هو كائن وعما هو محتمل الوجود . ويدرك ان مهمة الفلسفة هى فهم الكون وفهم دور الانسان فيه ومهمة علم الاجتماع: إدراك الآخر وفهمه لطرق إحسان الاتصال به والتواصل معه .
ومهمة علم النفس : فهم دوافع النفس البشرية الواعية وغير الواعية ومهمة السياسية اتقان فن التعامل مع الواقع والتهيئة لقبول الاخر عن طريق الحوار وتداول المواقع ومهمة الثقافة فهم الحياة البشرية وطرائقها وأوعيتها والمقارنة بين أنماطها للمزيد من تشذيب الفكر والسلوك قبل أن يستوحش وبعد أن يستوحش والاتجاه نحو المزيد من التواصل بين الشعوب ومهمة الفن البحث عما يجب أن يكون لمزيد من الاحساس بالذات والإحساس بالجمال ومهمة الفنان خلق صور متفردة على غير مثال سابق ، محملة بمعانى الشمول مع انها من خلق فنان فرد . ومهمة الحوار : أن يكون أداة فهم الآخر قبل قبوله أو رفضه وأن يكون أداة إثارة للقضايا والصور لتجديد إنتاج القيم المؤكدة لإنسانية الإنسان ؛ ليصل بعد إدراك ذلك كله إلى أن مهمة المسرح هى محاكاة خلق الوجود الإنسانى وإعادة إنتاجه لتطهيره أو لتغييره .
ذلك هو الفهم الاطارى المضمونى لمهام الحقول النشاطية المعرفية والعلمية وتجلياتها فى النص وفى العرض المسرحى إذا أراد أن يكون فاعلاً فى مجتمعه .
منقول عن الأستاذ الفاضل صلاح من منتدي التربية المسرحية