وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَر
..
وقعت وقائع هذه القصة منذ أكثر من قرن من الزمان , وكان مسرحها قصر الملوك والأمراء والنبلاء في دول أوروبا.
لقد كان هذا القصر مسرحاً لاقامة الحفلات الراقصة والمعاصى...وأثناء ذلك...انطلق سفاح غريب يحصد أرواح العصاة, ولم تمر ليلة من ليالي الشتاء إلا ولهذا السفاح ضحايا.
وردت الأنباء والتقارير من الجهات المسؤوله عن حدوث حالات تسمم غريبه , وأحيط الأمر بالكتمان حتى يتمكن المحققون من التوصل إلى المجرم الحقيقي والقبض عليه.
ونشط رجال الأمن ودخلوا القصر متنكرين للبحث عن السفاح العجيب وشددت الحراسة على القصر , وتم التأكد من الشخصيات العظيمة التي تدخله والخدم والطباخين الذين يعملون فيه , ورغم ذلك كان التسمم الزرنيخي يحدث .
بدأت الأقاويل تنتشر , والاشاعات تروج , فمرة يتهمون صاحب القصر, ومرة يتهمون الأطباء , ووصل الأمر إلى اتهام رجال الأمن , والخدم
وفي يوم من الأيام دعا صاحب القصر عالماً من العلماء ليكشف له أمر السفاح الذى جعل الناس تهرب من قصره..وانهى عليهم ليالى ذاقوا فيها لذة المعصية , اقترب العالم من أحد الصور الزيتية الجميلة ونظر إليها ثم مد يده خلسة وأخذ جزءاً منها, وأسرع إلى بيته وفحص العينه جيداً , فإذا الذي بين يديه خيوط من نسيج تكاد تتمزق من اللمس , شمها فإذا رائحة غريبة تنبعث منها , أخذ خيطاً منها ووضعه تحت المجهر , ونظر إليها نظرة باحث فهاله ما رآى وانتفض قائما , وأخذ يجري بحقيبته في يده إلى البيت النبيل , ودق الأبواب بعنف فخرج إليه الحراس فاستأذن في الدخول وأسرع إلى القاعة وهو يصرخ : افتحوا الأبواب والنوافذ , افتحوا الأبواب والنوافذ, أسرع النبيل يستوضح الأمر .
فقال العالم : لقد عرفت المجرم الذي ينفث فيكم سمومه؟!
وتوجه العالم فوراً إلى الصورة الزيتية قائلا: إن السفاح الحقيقي يكمن في هذه الصورة. ومد يده إلى جزء من الصورة وضغط عليها بإصبعه فتهاوى هذا الجزء ونادى عليهم قائلا : تعالوا وضعوا أنوفكم على هذه الصورة ...رائحة الزرنيخ وأسرع الجميع لفتح النوافذ.
▓▀▀▀▀▀▀▀▀▀▀▀▀▀▀▀▀▀▀▀▀▀▀▀▀▀▀▀▀▀
وتكلم العالم ليقول : هذه الصور الزيتية التي تزين الجدران تعتبر طعاماً شهياً لبعض الفطريات
وفي الشتاء عندما تغلقون النوافذ والأبواب , يتجمع بخار الماء على الحوائط والصور والدهانات , فتلعب الفطريات بمركبات الصورة بإنزيماتها المحلله القوية , وتحولها إلى صورة أخرى ينطلق منها غازات سامة منها الزرنيخ فيتراكم في البيئة الداخلية المغلقة , وهكذا يحدث التسمم البطئ.
هكذا اختار الله –سبحانه -هذه الطريقة ليقضى على من حق عليهم العذاب من هؤلاء العصاة الزناة..وهكذا اختار لهم هذا الجند الضعيف –فطر لا يرى بالعين- ليكون جندا من جنوده...فعكر عليهم صفو حياتهم وسلب النوم من أعينهم..لعل عقولهم الصغيرة تدرك..أن الذى أهلك النمرود بالذبابة...قادر على أن يهلك غيره بما هو أقل من الذبابة..
{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ}
حقا لقد أتاهم العذاب من حيث لا يشعرون