( مقالى المنشور بجريدة " أسوان " هذا العدد نوفمبر )
مفتتح .... بقلم : أحمد الليثى الشرونى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثقافة الاختلاف ...
ما أحوجنا هذه الأيام إلى أن نتعلم أن الاختلاف أساس الرقى والتقدم وليس كما نفهم أنه يؤدى إلى التفرق والتشرذم ، التنوع فى الرؤى والاجتهادات والتمايز بالجديد الواعد علامة من علامات الإبداع الذى تتقدم به المعرفة ، كم أنه يجب أن نتقبل الآخر المختلف أو المغاير على أى مستوى أو فكر بوصفه الوضع الطبيعى للحياة والشرط الضرورى للثراء الناتج عن التنوع ، وإن تباين العقول بما تفكر به وتختزنه من معلومات وخبرات وما تنبنى عليه من مبادىء ومناهج فاختلافها حتمى حتى فى حالة التكافؤ على المستوى المعرفى أو المنهجى ، ومن الاخطاء التى وقعنا فيها نحن اللذين نصنع الحاضر المفكك الآن أنه منذ البداية فى المدرسة تربينا وتعلمنا ثقافة الإتباع مما خلق لدينا حالة التشبث بآرائنا وفكرنا ونفى الآخر ، ولم نتعلم لغة الحوار الراقى الذى يمنحنا حالة من التسامح والرضا ، ولم ندرك للأسف أن التنوع علامة الثراء الفكرى وتعدد الاجتهادات أصل الاختلاف ،حتى على مستوى الحوار الإعلامى وبالذات المرئى لأنه هو المؤثر الآن بقوة لم يصل إلى حوار قائم على تطوير الفكر وتعميق ثقافة الاختلاف بما يؤكد وحدة التنوع الخلاق للفكر والإبداع ويجعله نعمة وليست نقمة على المجتمع
إن صاحب مقولة " الاختلاف فى الرأى لايفسد للود قضية " لم يقلها هباءَ ولكن من المؤكد أنه قالها نتيجة تجارب وخبرات حياتية متراكمة ، لأنها مقولة تبنى مجتمعا قويا متماسك البنيان أما إذا فعلنا عكس ذلك فإنه الدمار والتخلف ، حتى الأديان السماوية وخاصة ديننا الحنيف الإسلام العظيم يدعو لذلك ويبث فى نفوسنا ثقافة الاختلاف والاجتهاد ، ويعلمنا أدب الحوار وتقبل الآخر مهما كانت درجة التباين والاختلاف ، ولن يكتمل ترسيخ معنى هذه الثقافة إلا بنشر الممارسة الديمقراطية الحقيقية والقضاء على كل أشكال التعصب وإشاعة قيم التسامح والمرونة والانفتاح على الجديد خصوصا لدى الأجيال الشابة التى ينفر بعض أفرادها من الحوار لأنهم نشأوا فى غيابه ولم يجدوا أمامهم سوى ثقافة العنف التى هى ثقافة التطرف و التعصب ولا سبيل إلى مواجهة هذه الثقافة إلا عن طريق نقيضها الذى يفيض بالتسامح ويأمر بالانفتاح على الآخر ويؤمن بالتقدم الدائم الصاعد إلى الأمام .
هناك نشاط مهم لو تم تفعيله داخل أروقة مدارسنا وجامعاتنا وهو نشاط فن المناظرات وهو أحد مجالات الإعلام التربوى ، والمناظرة هى حوار متبادل بين جماعتين تمثلان اتجاهين مختلفين حول قضية واحدة ويتركز هذا المفهوم على قيادة واعية بالقضية ، توجه الجماعتين بأسلوب تربوى يهدف للخروج برؤية شاملة حول القضية المطروحة ولكل جماعة إتجاه ، ويعمل هذا النشاط على اكتساب الطالب مهارة التعبير الصحيح عن آرائه واحترام آراء الآخرين فى إطار تربوى جاد وكذلك تنمية مهارة التفكير والفهم واستنباط الحقائق والإلمام الكامل بالقضايا ، مع العلم أن هذا النشاط لن يكلف المدرسة أية أعباء ، المهم أن يجد المعلم الواعى المثقف الذى ينفذ ذلك مع طلابه والإدارة المدرسية التى تدرك أهمية وخطورة المرحلة التى نمر بها والمأزق الذى تعيشه الأجيال الحالية .
ما أحوجنا اليوم إلى استعادة الحيوية التى تربت على التسليم بحق الاختلاف ورسوخ أدبيات الحوار فى شتى مناحى الحياة وعلى مستوى الممارسة الفعلية لا الكلمات أو الشعارات وأن نشجع الشباب على التباين والاختلاف فيما يؤدى لصالح المجتمع لا لهدمه وتخلفه ، ما أحوجنا إلى أن نستعيد فكر ومبادىء وقيم الرواد الذين أثروا الحياة الثقافية فى مصر فى بداية القرن الماضى أمثال أحمد لطفى السيد وعباس العقاد ود. طه حسين ومحمد حسين هيكل والإمام محمد عبده وغيرهم من الأفذاذ ، ما أحوجنا إلى أن نستعيد قيم ومبادىء الأسلام الحنيف ونتمسك بأوامره ونبتعد عن نواهيه ....